المأمورية الثانية.. هل يريد الرئيس فعلا محاربة الفساد
لم يختر الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني هذه المرة مواجهة المواطنين في مهرجان جماهيري ليعلن عن ترشحه لمأمورية ثانية، وربما كان الصخب الذي تلقاه في نواذيبو، أحد عوامل اختيار البريد والمراسلة.
كان الشباب العنصر الأكثر حضورا في الرسالة الرئاسية، كما كانت الحرب على الفساد العنوان الأكثر جاذبية في رسالة الترشح ذات الأوراق التسع والمضامين المختصرة
ويظهر جليا أن هذين العنوانين كانا أبرز إخفاقات الرئيس ونظامه خلال المأمورية القادمة،.
لقد مهد الشباب بحراكه السياسي منذ العام 2008، والقوى السياسية والحقوقية والصحافة، بحربها المستمرة ضد الفساد الطريق واسعا أمام المقبولية السياسية والمجتمعية التي حصل عليها الرئيس الغزواني في سنواته الأولى.
وقد انتظر الناس السنة الأولى من نظام الرجل ليعرفوا توجهه فيما يتعلق بمحاربة الفساد، ليظهر بالفعل أن الطريقة التي تم بها تدبير ميزانيات الدولة في السنة الأولى لكوفيد تعني بوضوح أن محاربة الفساد ليست العنصر الأهم في السياسة الحكومية.
نزلت بعد سنة كوفيد عافية وبرد وسلام على المفسدين، واعتبروا أن ما يسمعون مجرد شعارات، هنالك حديث اليوم في كل الوزارات والقطاعات الحكومية بأن الفساد وقف على سوقه ونفقت سوقه.
ولم يخف أن الحرب على الفساد التي أدت بالرئيس السابق إلى السجن كان الدافع السياسي فيها، والمحدودية في ملفاتها، رسالة واضحة بأن النظام لا يريد نفض جراب الفساد، بل تأكد أكثر أن المطعون في نزاهتهم والمشكوك في أمانتهم هم الأكثر حظوة بالتعيين.
لقد صرفت الدولة الموريتانية مئات المليارات من الأوقية على مشاريع مهمة، كان يمكن أن تنجز بنصف تكاليفها، وبجودة أعلى وفي فترة أقل.
ورغم الميزانية الكبيرة فإن صورة المؤسسات العمومية تظهر مستوى عاليا من التقشف أو الفقر الشديد، إذا لم نرد أن نقول الفساد الشديد، ويمكن على سبيل المثال أن تنظر إلى مكاتب الولاة والحكام في مختلف أنحاء البلاد، ليتأكد أن الجهاز الممثل لسيادة الدولة، يظهر للمواطنين في الصورة التي لا تسر صديقا ولا تعزز هيبة الدولة ومكانتها.
قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.
لا أحد يمكنه أن يحارب الفساد غير الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بسبب موقعه الدستوري، وما وضع الله بيده من سلطة ومكنه من صلاحيات، وقلده من أمانة سيسأله الله عنها، ويحاسبه التاريخ، وتشهد له أو عليه صحائف الأيام، وأي استقرار للفساد، وأي تمدد له هو أيضا مسؤولية أخلاقية وقانونية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وإنما تعيشه البلاد اليوم يدفع إلى الاستفسار وبوضوح هل يملك الرئيس رؤية فعلية لمحاربة الفساد، وهل يملك إرادة وقدرة على محاربته بالفعل، وكيف يمكن أن نستبشر بمحاربة الفساد في المأمورية الثانية، وقد ترسخ في المأمورية الأولى وانتقل من حالة عمودية إلى امتداد أفقي متسع.
وأهم شيء في بناء الدول هو الابتعاد عن الشعبوية والترضيات وترفيع أصحاب الكفاءة والناصحين، والابتعاد من أهل الصفاقة والمصفقين، وتدبير أمر هذا البلد بما يحفظ مستقبلكم في غابر الأيام، أنكم بنيم فأعليتم، فإلى فخامة رئيس الجمهورية الأمر بيدك، إن هذا الأمر فيكم نزل وبكم سيرتفع إن رغبتم، والسلطة في قبضتكم وعهدتكم وأنت المسؤول الأول،
فأنت لها إذ راية الأمر أصبحت بكفيك فاستاخر لها أو تقدم.