الأخبار

الفساد والاستعمار وجهان لكارثة واحدة- محمد الأمين الفاضل

لا أجد فرقا كبيرا بين دولة احتلتها قوة استعمارية، ودولة أخرى احتلها الفساد، ولا أجد من حيث الآثار السلبية على الدول  والشعوب أي فوارق تذكر بين ما يمكن أن يخلفه الاستعمار من كوارث على الدول والشعوب، وما يمكن أن يخلفه الفساد من كوارث على تلك الدول والشعوب.

فإذا ما نظرنا إلى حجم الأضرار والدمار وكل الآثار السلبية التي يمكن أن يخلفها الاستعمار، وتلك التي يمكن أن يخلفها الفساد وقارنا بينها، فإننا سنستنتج دون عناء  بأن الفساد والاستعمار ما هما إلا وجهان لكارثة واحدة.

لم تجد الدول والشعوب من بعد تحررها من الاستعمار تحديا أخطر من تفشي الفساد فيها، ومع أن هناك من يرى أن الأنظمة الاستبدادية قد تكون هي الأشد خطرا على الدول  بعد التحرر من الاستعمار إلا أن هذا القول غير صحيح، فبعض الأنظمة الاستبدادية ـ حتى وإن كانت قليلة جدا وتشكل استثناءً للقاعدة لا يعتد به ـ تمكنت من أن تحدث في بلدانها تنمية، أما الدول التي تفشى فيها الفساد، وسواء كانت دولا ديمقراطية أو استبدادية ، فإنها ظلت دول متخلفة.

لا توجد دولة واحدة في هذا العالم شهدت نهضة أو تنمية في ظل تفشي الفساد فيها، ولكن توجد دول شكلت استثناءً يؤكد صحة  القاعدة التي تقول بأنه لا تنمية مع الاستبداد، حيث استطاعت تلك الدول القليلة جدا أن تحقق تنمية في ظل أنظمة استبدادية.

لا أظنني بحاجة لأن أؤكد هنا بأني لستُ من دعاة الاستبداد، ولا يمكنني ـ بأي حال من الأحوال ـ  أن أكون من المروجين له، فبالنسبة لي فلا وجود ل”مستبد عادل” كما يروج لذلك البعض، فأينما وُجد الاستبداد غاب العدل تلقائيا. كل ما في الأمر هو أني أردتُ فقط أن أبين أنه إذا كان الاستبداد كارثة، فإن الفساد كارثة أكبر وأخطر، وأنه بعد التحرر من الاستعمار لا شيء  يمكن أن تبتلى به الدول أخطر من تفشي الفساد فيها.

وإذا كان الاستعمار ينهب ويسرق ثروات الشعوب فإن الفساد ينهب تلك الثروات ويسرقها، وربما بحجم أكبر، وإذا كان الاستعمار يُفسد القيم ويضعف الانتماء للوطن، ويدمر التعليم، ويتسبب في عدم الاستقرار، فإن الفساد يفعل نفس الشيء، فهو يهدد الاستقرار، ويضعف الانتماء للوطن، ويفسد القيم ويقلبها رأسا على عقب، ويدمر التعليم، وبه تنهار الصحة، وتضعف اللحمة الوطنية، هذا فضلا عن كونه يقضي على ما تبقى من ثقة في مؤسسات الدولة وهيبتها.

وإذا كان الاستعمار يحتاج إلى حرب تحرير يشارك فيها الجميع للتحرر منه، فإن الفساد يحتاج كذلك إلى حرب تحرير يُشارك فيها الجميع للتحرر منه.

ويبقى السؤال : هل نحن في موريتانيا على استعداد اليوم لخوض حرب تحررية حقيقية ضد الفساد الذي تفشى في بلادنا؟

اترك لكم الإجابة، على هذا السؤال الذي قررتُ أن أطرحه عليكم بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الفساد.

حفظ الله موريتانيا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى